...2- قوله تعالى ( وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لا يَرْجُونَ نِكَاحاً فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (النور:60)
2- إن الله تعالى نفى في هذه الآية الأثم عن القواعد ، و هن العواجز اللاتي لا يرجون زواجا لعدم رغبة الرجال بهن ، بشرط أن لا يكون الغرض من ذلك التبرج و الزينة . و تخصيص الحكم بهؤلاء العجائز دليل على أن الشابات اللاتي يرجون النكاح يخالفن في الحكم ، و لو كان الحكم شاملا للجميع في جواز وضع الثياب ، و لبس درع و نحوه لم يكن لتخصيص القواعد فائدة .
ومن قوله تعالى (غير متبرجات بزينة ) دليل أخر على وجوب الحجاب للشابة التي تأمل بالزواج , لأن الغالب عليها إذا كشفت وجهها ، أنها تريد التبرج بالزينة ، و إظهار جمالها ، و تطلع الرجال لها ، و مدحها و نحو ذلك , ومن سوى هذه فشاذ ، والشاذ لا حكم له .
3- قوله تعالى ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً) (الأحزاب:59)
3- قال ابن عباس رضي الله عنهما : أمر الله نساء المؤمنين إذا خرجن من بيوتهن في حاجة أن يغطي ، وجوههن من فوق رؤوسهن بالجلابيب ، و يبدين عينا واحدة [11] .
و تفسير الصحابي حجة ، بل قال بعض العلماء : إنه في حكم المرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم . و قول ابن عباس رضي الله عنهما : ويبدين عينا واحدة إنما رخص في ذلك لأجل الضرورة ، و الحاجة إلى النظر في الطريق ، فأما إذا لم يكن هناك حاجة ، فلا موجب لكشف العين .
4- قوله سبحانه وتعالى : (لا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبَائِهِنَّ وَلا أَبْنَائِهِنَّ وَلا إِخْوَانِهِنَّ وَلا أَبْنَاءِ إِخْوَانِهِنَّ وَلا أَبْنَاءِ أَخَوَاتِهِنَّ وَلا نِسَائِهِنَّ وَلا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ وَاتَّقِينَ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً) (الأحزاب:55)
4- قال ابن كثير عليه رحمة الله : (( لما أمر الله النساء بالحجاب عن الأجانب بين أن هؤلاء الأقارب لا يجب الاحتجاب عنهم ، كما استثناهم في سورة النور عند قوله : ( و لا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن أو آباء بعولتهن ...[12])
ثانيا - السنة النبوية الشريفة :
1- عن جابر رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه و سلم : إذا خطب أحدكم امرأة فاستطاع أن ينظر إلى بعض ما يدعوه إلى نكاحها , فليفعل , فخطبت امرأة من بني سليم ، فكنت أتخبأ لها في أصول النخل حتى رأيت منها ما دعاني إلى نكاحها فتزوجتها [13] ) .
وجه دلالة هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم نفى الجناح ، و هو الإثم عن الخاطب خاصة ، بشرط أن يكون نظره بسبب الخطبة فقط . أما غير الخاطب ، فيعتبر آثم بالنظر إلى الأجنبية بكل حال , و كذلك الخاطب إذا نظر إلى غير الخطبة كأن يكون غرضه التلذذ ، و التمتع و نحو ذلك .
2- عن أم عطية قالت : أمرنا النبي صلى الله عليه و سلم أن نخرجهن في الفطر و الأضحى العواتق ، و الحيض و ذوات الخدور ، فأما الحيض ، فيعتزلن الصلاة و يشهدن الخير ، و دعوة المسلمين ، قلت : يا رسول الله أحدنا لا يكون لها جلباب ، قال : لتلبسها أختها من جلبابها .[14]
و من دلالة هذا الحديث الشريف أن المعتاد عند نساء الصحابة ، أن المرأة لا تخرج إلا بجلباب , و عند عدمه لا يمكنها أن تخرج من بيتها . و أمر رسول الله صلى الله عليه و سلم بلبس الجلباب كان دليل على الوجوب ، و أنه لابد من التستر .
3- عن عائشة رضي الله عنها قالت : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يصلي الفجر ، فيشهد معه نساء من المؤمنات متلفعات بمروطهن ، ثم يرجعن إلى بيوتهن ما يعرفهن أحد من الغلس [15].
وجه دلالة هذا الحديث أن الحجاب و التستر كان هو الطابع العام لنساء الصحابة الذين هم خير القرون ، و أكرمهم عند الله عز وجل ،و في هذا الحديث الدلالة ، و البيان لصفة الحجاب و شروطه .
4- عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة , فقالت أم سلمة : فكيف يصنعن النساء بذيولهن , قال : يرخين شبرا , فقالت : إذا تنكشف أقدامهن , قال : فيرخينه ذراعا لا يزدن عليه [16] ).
و دلالة هذا الحديث على وجوب ستر قدم المرأة ، و أنه أمر معلوم عند نساء الصحابة , و القدم أقل فتنة من الوجه ، و الكفين بلا ريب . فالتنبيه بالأدنى تنبيه على ما فوقه ، و على ما هو أولى منه بالحكم ، و حكمة الشرع تأبى أن يجب ستر ما أقل فتنة ، و يرخص في كشف ما هو أعظم منه فتنة ، فان هذا من التناقض المستحيل بحق الله ، و شرعه [17].
ثالثا - الاعتبار الصحيح والقياس المطرد :
الاعتبار الصحيح ، و القياس المطرد الذي جاءت به هذه الشريعة الكاملة ، و هو إقرار المصالح ، و وسائلها ، و الحث عليها , و إنكار المفاسد ، و وسائلها و الزجر عنها.
و إذا تأملنا السفور ، وكشف المرأة لوجهها ، وجدناه يشتمل على مفاسد كثيرة , و إن قدر أن فيه مصلحة ، فهي يسيرة لا تتساوى بأي حال مع مصالح المرأة والمجتمع .
فمن مفاسد كشف المرأة لوجهها للأجانب :
1- الفتنة : فإن المرأة تفتن نفسها بفعل ما يجمل وجهها ، و يبهيه و يظهر المظهر الفاتن الجذاب . و هذا من أكبر دواعي نشر الفتنة ، و الفساد .
2- زوال الحياء عن المرأة الذي هو من الإيمان ، و زوال الحياء عن المرأة نقص في إيمانها خروج عن الفطرة التي خلقت عليها .
عن سالم عن أبيه ، سمع رسول الله صلى الله عليه و سلم رجلا يعظ أخاه بالحياء , فقال : الحياء من الإيمان [18].
3- افتتان كثير من الرجال بالمرأة السافرة ، و لاسيما إذا كانت جميلة ، و الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم ، و على المسلم أن يحذر من الشيطان ، و مداخله و دروبه.
عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه و سلم كان مع إحدى نسائه ، فمر به رجل ، فدعاه , فجاء فقال : يا فلان هذه زوجتي فلانة ، فقال : يا رسول الله من كنت أظن به , فلم أكن أظن بك , فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم [19]..
و في رواية البخاري عن علي بن الحسين , كان النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد و عنده أزواجه فرحن , فقال لصفية بنت حيي لا تعجلي حتى انصرف معك ، وكان بيتها في دار أسامة ، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم معها ، فلقيه رجلان من الأنصار , فنظرا إلى النبي صلى الله عليه وسلم , ثم أجازا ، و قال لهما النبي صلى الله عليه وسلم : تعالا إنها صفية بنت حيي قالا سبحان الله يا رسول الله , قال : إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم ، و إني خشيت أن يلقي في أنفسكما شيئا )[20].
4- و قد يؤدي اختلاط النساء بالرجال إلى فتنة المرأة بأن تعتبر نفسها مساوية للرجل في كشف الوجه ، و التجول سافرة ، مما يؤدي إلى فتنة كبيرة ، و فساد عريض كما هو حاصل الآن في كثير من الديار العربية و الإسلامية .
عن حمزة بن أبي اُسيد الأنصاري عن أبيه أنه سمع النبي صلى الله عليه ، وسلم يقول : و هو خارج من المسجد ، فاختلط الرجال ، مع النساء في الطريق , فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : للنساء استأخرن , فإنه ليس لكُن أن تحققن الطريق , عليكن مجافاة الطريق . فكانت المرأة تلتصق بالجدار حتى أنّ ثوبها ليتعلق بالجدار من لصوقها به )[21]..
و أخيرا بعد أن أوردت كل هذه الأدلة من الكتاب ، و السنة و الاعتبار و القياس أضيف ملحوظة لمن في قلبه بقايا من إيمان عسى أن ينتبه لما يحاك لهذه الأمة من مؤامرات و فتن :
الملاحظ أن المنظمات الحقوقية بجميع فروعها في العالم الإسلامي ، و العربية على وجه الخصوص متحيزة ، و مغلقة أمام انتماء أية امرأة مسلمة ملتزمة بدينها .
كما أننا لا نرى أي ملف ، أو ذكر للمرأة المسلمة ، و خاصة ما يتعلق بالتمييز ضدها كما هو ملاحظ في ارتدائها للباس الشرعي و الحجاب و التعذيب و العنصرية التي تواجهها في كثير من البلدان العربية ، و الإسلامية وحتى الأوربية التي تدعي الحرية و الديموقراطية .
إن النظرة الدونية للمتدنية ، و الملتزمة من قبل الغرب و المستغربين الذين يتعاملون معها بأسلوب إقصائي عن المجتمع والفعالية الإيجابية فيه .
ما هو إلا ضمن اتفاق دولي من قبل الصليبين والصهاينة و من سار بركبهم من أبناء جلدتنا للقضاء على الإسلام و المسلمين [22].
و الله المستعان .
العبد الفقير إلى الله تعالى
مسلم بن محمد جودت اليوسف
abokotaiba@hotmail.comhttp://hijab.totalh.com